samedi 9 août 2008

قبلة على برج إيفل


بعد برهة لا أذكر كم طالت، لكن أذكر أنها أول اللحظات قربا بيني و بين عمي، أعادت إليّ شيء من الثقة بالرجل شرط أن يكون بوداعة عمي، و بصوته الهادئ الرخيم ،و بعينيه المانحتان للآمان . كم تبدو أحلام النساء بسيطة إلى حد السذاجة أحيانا، و ربما لهذا لا يأبه أحد بتحقيقها لهن! لو كانت لنساء أحلام كبيرة لتحققت ، و لنالت الأحلام الصغيرة شفعتا تقودها نحو التحقق ، يجب أن تكون لنا أحلام كبيرة لنحقق الصغيرة . لم ندري إلا وصوت رقية ينادينا لأفطار و ينهي جلستنا تلك. إمتثلنا لندائها و قصدنا غرفة بمحاذات المطبخ ، جلستُ بجانب المائدة وُضع فوقها إناء مملوء بالزيت و خبز ساخن تفوح رائحته مع البخار المتصاعد من المنديل الذي لف فيه. تربع عمي حول الصينية ليعد الشاي، الذي يصير إحدى مهامه حين يكون حاضرا ، تخلفت جدتي عن الجلوس لبضع دقائق ثم عادت تحمل إناء به عسل، قلما تقدمه لنا فقد تعودنا تركه لضيوف أو حين يصاب أحدنا بنزلة برد حادة، فلابد أن اليوم مميز لدى جدتي ، هل لأن عمي صار يتغيب عن البيت لأسبوع أو أكثر ،و صار في عداد المسافرين الذين تشتاق إليهم جدتي. كأغلب العجائز تحب جدتي كثرة الإدخار و تحشره في خانة السنن التي أوصى به النبي العدنان ، تدخر الشاي و السكر و الزيت و العسل و السمن و اللوز و الأثواب و العطور و الأواني و الصور ربما حتى الأحلام و الأفرح، تحمل دوما مفاتيح خزائنها في صدرها بعد أن تشدها بدبوس كبير إلى ملابسها الداخلية ، لا تزيحه إلا أثناء النوم لتضعها أسفل وسادتها و عند الصباح تعيدها إلى مكانها بصدرها. في مرات قليلة دخلت فيها الغرفة التي تدخر فيها جدتي دخائرها ، بوسط الدهليز الذي يفضي أحد أطرافه إلى باب البيت الخارجي و الطرف الأخر إلى فناء وسط البيت ،كانت غرفة بلا نافذة لأن الضوء كما تقول يفسد طعم و لون الأشياء !كانت الرطوبة نافذة لكنها محتملة، جرار مغلقة أحكمت رابطة الخيش حولها، مرصوصة عند المدخل فتحت جدتي إحداها و أخدت كأسا نحاسي و غرفت شي بقعرها حين صبته بقنينة المطبخ تبين أنه زيت، و كلمت نفسها قائلة؛ قد لن تكفينا لموسم آخر إن لم تلد أشجار الزيتون كحالها هذا الموسم ، إتجهت نحو عمق الغرفة تبعتها و إن كنت لا أرى شيء بفعل الظلام المسيطر على المكان، فكدت أتعثر بإحدى الجرار، فنهرتني على الفور ، بقيت في مكاني حتى ألفت عيني الظلام و تبينت محتويات الغرفة و رأيتها تفتح دولابا و تشتم بعض القطع به إقتربت منها أكثر فإكتشفت أنها أتواب ملفوفة في غطاء رأس مزركش بالأحمر و الأخضر وضعتها على الأرض و قالت :" يجب أن نعرضها لشمس" ثم تابعت بحثها في الدولاب و أخرجت لفيفة أخرى حسبتها ستشمها مثلما فعلت بالأولى، إلا أنها ثنت ركبتها و أسندتها إلى باب الدولاب، ثم وضعتها عليها و فتحتها بعناية؛ كانت بها إطارات الصور أو صور بإطارات، إختارت منها صورتين و وضعت البقية في الدولاب، مسحت الصورتين بكم ملابسها و بقيت تتامل إحداهما ، ثم مدتها لي قائلة :"هذا جدك ." صحيح أن الظلام كان يخفي تفاصيل الصورة إلا أن بصيص النور المنبعث من الباب كان كافيا ليظهر لي وجه رجل يضع طربوشا أسودا ، أو لعله كان سيكون لون آخر لو كانت الصورة بالألوان ، و يرتدي جلبابا أبيضا ، كان يجلس على كرسي و ينظر بشيء من الشرود أمامه ، و كان يرتدي نعلا تظهر منه مقدمة أصابعه، تفحصت الصورة بدون أي إحساس يذكر نحو هذا الجالس فلم أراه قبل هذه الصورة ، أعدتها إلى جدتي و قالت و هي تضعها في الدولاب:" قولي رحمه الله" قلت ما طلبته مني، و أخذت الصورة الثانية أعادت مسحتها جيدا ثم قبلتها و مدتها إلي ، كان وجهه على حاله، و حاجباه الكثان المقطبان على حالهما ، عيناه تبرقان في الصورة و كأنها تتوعداني كعادتهما ، سرت في جسدي رعشة و كاد ت أرشح بعرق بارد قبل أن أعي أنني أنظر إلى صورته فحسب، كان واقفا مسندا يده إلى سياج خلفه بمستوى حزامه و من الخلف ظهر شكل مثلث حديدي تلامس قمته السماء الغائمة، لم يكن ذلك المثلث سوى برج إيفل. أعدت الصورة إلى جدتي أمسكتها و قربتها من فمي و قالت بصوت حازم : " قبلي أباك" ترددت قبل أن أضع شفتي فوق قمة البرج و صدر عن إفتراق شفتي بزجاج الصورة صوتا ملائها بالرضى فسحبت الصورة و أعدتها لمكانها بين الصور و هي تدعو له بأن يحفظه الله. لو أنها علمت أنني أثرت تقبيل البرج على وجه إبنها ماذا كانت ستفعل بي!؟



11 commentaires:

Anonyme a dit…

bonjour;
tu peux publier ces notes dans un livre,du genre al3araba de M.zefzaf!courage!je serais la première à m'en acheter!

طهقان a dit…

اكتشفت هذه المدونة بالصدفة
ولكن هالني الحرفية التي تكتبين بها
هل انت اديبة
؟
ام انها هواية التي تجعلك تكتبين وكأنك تمسكين بالفرشاة وتلعبين بالالوان
وتلعبين معها بمشاعر القراء

شامة


انت

علامة

pofpof a dit…

" قبلي أباك" ترددت قبل أن أضع شفتي فوق قمة البرج و صدر عن إفتراق شفتي بزجاج الصورة صوتا ملائها بالرضى فسحبت الصورة و أعدتها لمكانها بين الصور و هي تدعو له بأن يحفظه الله. لو أنها علمت أنني أثرت تقبيل البرج على وجه إبنها ماذا كانت ستفعل بي"

lihadih addarja takrahinah? tanta9imin min tarkih lak?

al mohim, wasili f anti mobdi3a 7a99an

Feras othman a dit…

its great ya nashwa ;)

3jbatne ketabatek
w le 3awdah

salemte

Anonyme a dit…

On attend la suite :) !

Anonyme a dit…

pofpof je crois pas que c une vengeance c plutôt le contraire c notre héroïne qui souffre en fin de compte!
c pas un com ça mais bon..
j'attends comme d'autre la suite ou n'importe quoi de nouveau si bien sur ça dérange personne

pofpof a dit…

@ mashinakira

ah bon! figure toi que pour pour moi, il en a l'aire ;)

lmohim ya lalla, mcherfin bi ma3rifati siayadatikom al karima

@ chama

iwa chnou had lghbour?!! fin hiya al ba9iyya

" idda ottib ad yaguem , ifsi-n" ;)

محمد الكمالي a dit…

صباح/مساء الخير
سررت جداً لعثوري على هذه المدونة ، كوني أحب الأدب خاصة السرد منها والقصص .
ولقد وجدت ما بحثت عنه

محمد الكمالي

Anonyme a dit…

@pofpof non dsl suis pas une dame ni demoiselle dsl!

@chama

vraiment vraiment tu te fait désirer! mais bon j'espère que tu vas bien !

Anonyme a dit…

@ machinakira

3afwan a sidi, sm7ou lina 3ala hada la khata2 al matba3i...!

@ chama

wa safi...bla ma Twlich, rah bghina al ba9iyya!

طهقان a dit…

انت مش ملاحظة ان القبلة طاااالت شويش ؟