vendredi 20 mars 2009

الحرز



خطت بي نحو الباب، لا هي إطمئنت لما ورائه، و لا إنقاذت لحدسها و أعادتني للبيت كي لا يختلف قدري عن قدر كل البنات! كان أمرها مربك؛ فبقدر ما تعلن تواطئ أو تغابي بقدر ما تجلي نظراتها إرتياب من آت متربص خلف باب المدرسة.
ألقت سلاما ضاع نصفه بين ثنايا نقاب لحافها، إنزاحت يدها عن معصمي ببطئ بعد أن خلفت غظون حوله، و أردتها باردة مرتجفة!
لحظتها هممت بتعلق بأهداب لحافها لأرجوها أن لا تتركني هنا و تعيدني للبيت، و سأقسم لها برب العزة أن أكنس البيت و أملئ الجرار و أجمع الحطب بدلها و أن لا أعصي لها أمرا، و إن كان ولابد هي تاركتي فلتدخل معي على الأقل و لا تسلمني لأغراب عند الباب.
رد المدير السلام و إنزاح قليلا لألج عبر دفة كان يحاول إغلاقها لتوه، دفعتني يدها من خلف فوجدتني قد تجاوزت العتبة، قبل أن أتابع سيري نحو ساحة المدرسة سمعتها تلفظ بصوت متحشرج رجاء أقرب إلى التوسل ليهتم بي.

حين دُق الجرس و فتح الباب لمحتها مقرفصة في ظل حائط المستوصف، لم أعرف إن كانت قد ذهبت للبيت وعادت لحظتها لتصطحبني، أم أنها بقيت هناك طيلة النهار، هرعت إليها كما هرع الأطفال نحو من كان ينتظرهم، فنهضت بتثاقل و نفضت الغبار عن مؤخرتها و عدَّلت لحافها و سارت أمامي نحو البيت، تأملتها من خلف؛ اللحاف يتكتم على معالمها و إن كان إحدوداب ظهرها بارز شيء ما، و عظمتي وركيها، كانت تذرع الأرض على عجل غير مبالية بالحجارة التي تصطدم بها من حين إلى آخر.
كنت أريدها أن تتبطئ في السير لتحدثني عما يدور برأسها الأشيب و تسألني عما حدث معي بالقسم و ماذا قال المعلم...؟ قد يكون مجرد سؤال سيكون جوابي عليه تأكيدا لها بأنها أهدرت وقتها معي؛ فأنا لم أفهم شيء مما تلفظه المعلم، و لم أفلح حتى في نقل ما في السبورة السوداء على ورقتي، و حين تطلع إلى ورقتي و سألني سؤال لم أفهمه أجبته بصمت لم يعجبه؛ فاستل الورقة من تحت يدي و شطب على خربشتي بصبر نافذ؛ و كتب الأدوات المطلوب إحضارها، و فعل مثل ذالك مع باقي الصف، و حين زاره المدير وشوش له بشيء فإستدار المدير ضاحكا نحونا و قال متكلفا بأمزيغية تعلمها حديثا " لا تفهمون العربية.. آ شلوح ..؟" و قهقها معا.

كان يصلني لهاثها الممزوجا بوقع خطواتها و بألم يعتصر فخدي الأيمن، توقفتُ عن السير، فتوقفت هي الأخرى و استدارت فأمسكت يدي و جرتها قائلة:" تحركي!"
بتذمر صرختُ بأن الحرز الذي ربطتَه بين فخدي قد أدماني، تفحصَت وجهي بنظرات مريبة و تنحت جانبا عن الطريق و رفعت تنورتي و أنزلت سروالي و أزاحت اللثام عن وجهها و دست عينيها لتعاين الحرز المدسوس في صفيحة نحاس قد خدش فخدي، فتحت عقدة خيطه و عدلت ملابسي و علقته بعنقي و شدتني لنتابع سيرنا نحو البيت.
قبل أيام من ذالك اليوم؛ شدت ذاك الحرز إلى فخذي، ربما كانت تلك الموازنة النهائية التي جعلتها تقبل انتسبي للمدرسة.
كان يوما رهيبا لم تمحيه عقود عمري من الذاكرة، قادتني مع أولى أشعة الشمس على ظهر حمار أناخت الأحمال و الجوع ظهره، كنت أمسك بها من خلف دون أن أدري وجهتنا، تجاوزت حدود القرية و اخترقت قرية أخرى لتتوقف أمام بيت أنزلتني و ربطت الحمار و دقت باب خشبي مواربا، أطلت منه امرأة في منتصف العمر، رحبت بها و دعتنا لدخول، قادتنا إلى غرفة تغطي الحصيرة نصف أرضيتها الطينية و بعض الوسائد في إحدى أركانها، جلسنا و غادرتنا المرأة.
بعد مدة جاءت امرأة أخرى في مثل عمر جدتي، سلمت عليها بحرارة من الواضح أنهما صديقتين قديمتين، توالت الأسئلة بينهما، عادة المرأة الأولى بصينية الشاي، دارت الكؤوس بيننا و دار معها الحديث عني، حكت لهما جدتي كيف هاجر أسرتي و انتقلت لبيت عمي و كيف أصر أن يلحقني بالمدرسة، و أنها تخاف من هذا الأمر بالذات و هذا سر زيارتها للالة حبيبة لتصنع لي شيء يقيني من شر الرجال!
أومأت المرأة إيجابا، ثم نهضت و دعتنا للفناء، أتت بكبات صوف أبيض و أخرى حمراء و أعمدة خشبية ساعدتها المرأة الأخرى في تثبيت كل واحد على بعد خطوتين من الآخر، جلس جدتي عند أحدهما و لالة حبيبة عند الآخر، أعطتني كبة الصوف التي ربطت طرفها على العمود، و طلبت أن ألفها على العمود الذي تمسكه جدتي و أعود للفها على العمود الآخر، لم أحصي عدد المرات التي تخلفت بينهما ليس لأنني لم أكن أعرف الحساب بعد؛ لكن لأنني تعبت من اللف بينهما حين وصلت إلى أخر لفة طلبت أن أعقدها على عمود جدتي و قالت مخاطبتا جدتي:" هكذا ستعود إليك دائما مهما كثر لفها و دورانها في الدنيا كما هي الآن". تنهدت جدتي و طلبت منها أن تتعجل.
استلتا الخيوط من العموديين و شبكتها بأعمدة أخرى ليصنعا زربية صغيرة كنت أتتبع أيديهن تربط عقدة تلو عقدة يناوبنا الخيوط البيضاء و الحمراء لتنتهيا من النسج بعد أن انتصف النهار، طلبتا مني أن أقطع الخيوط الرابطة، و لفتاها حولي.
طلبت لالة حبيبة من المرأة الأخرى أن تأتي بماء دافئ و منشفة، كان مخجلا أن أُحمم أمام عيونهن، لكن عزم و توعد جدتي أثناني عن الرفض، طأطأت عيني كي لا أصطدم بعيونهن و هي تراقبني، تعاقبت على جسدي يدي جدتي و لالة حبيبة تدعكان و تتمتمان بدعوات و المرأة الأخرى تصب الماء الممزوج ببودرة أذابتها في الماء الساخن.
انتهى الحمام أسدلوا علي المنشفة، و قدوني إلى الغرفة حيث استقبلنا، فرشت الزبية المنسوجة على الحصير و أمرتني لالة حبيبة أن أستلقي على ظهري وأرفع رجلي و أفتحها بزاوية حادة و امسكت جدتي و المرأة الآخرى برجلي؛ كان الأمر مخجلا إلا أنني تعودت منذ البدأ أن أتجنب نظراتهن، التي أحس بها مسمرة على منطقة واحدة لم أعلم حينها لما يكثرن الاهتمام بها، و دون سبق إعلام دهنت لالة حبيبة يدها بشيء لزج، و شرعت في دعكي بقوة براحتها تارة و بإصبعها الكبير تارة، فجأة اخترقت صرخة جوفي حين ضغطت بقوة فأصابني شيء أشبه بصعقة كهربائية، لم أستطع أن أعتدل في جلستي و لا أن أجمع رجلي دون الصراخ من الألم، نهرتني جدتي و هي تلبسني الملابس قائلة:" أن تتألمي الآن أهون من أن تسبب لنا العار.."
انتهت الطقوس بعد أن أُحرقت البخور مصحوبة بدعوات أن تتحول قطعة جلد إلى جليد أو حديد لن يستطيع أعتى رجل اختراقه.
قبل أن نغادر بيتها أعطت لجدتي حرزا و قالت:" اربطيه بفخذها الأيمن لسبعة أيام و ادفنيه في مكان آمن، و بإذن الله لن يمسها رجل، و إن فعل لن يستطيع لها نقبا، و حين يحين موعد زوجها أخرجيه و انقعيه في ماء ليلة كاملة تحت نجوم ليلة مقمرة و حمميها به عند الفجر، و زفيها لزوجها."
عدنا أدراجنا و إحساس غامض يعتريني، لقد صار ثمة جني يحرس بوابة الشرف بين فخذي.