mercredi 3 décembre 2008

المدرسة



أمسكت معصمي بقوة أحسست معها بشقوق راحتها الخشنة تطوقني، انتظرنا إلى أن فتح باب المدرسة الصدأ المتآكل الحواشي؛ أصدر أزيزا قويا و أطل منه رجل ممتلئ الجسد قصير القامة، تراكض الأطفال نحوه صرخ فيهم طالبا النظام ثم ولى عنهم إلى الداخل و بدأ الأطفال يتسابقون لدخول فتصاعد الغبار من حولنا، فتقهقرت هي سحبتنا يدي، دخلوا جميعا ؛ و بقينا لوحدنا تحيط بنا جدران المسجد و المستوصف الصحي.
توسطت الشمس السماء و ارتفعت الحرارة، تعبتْ من الوقوف فسحبت يدي من جديد و قصدت ظل إحدى زوايا حائط المستوصف، و والت ظهرها للباب المسجد الذي خرج منه بعض الأطفال في تلك الأثناء، نظرتْ إليهم و هم يمرون من أمامنا بعينها الوحيدة التي تظهر من خلف اللحاف الأزرق الذي تسدله على كامل جسدها، ظلت ترقبهم إلى أن تواروا، سمعت زفرتها من خلف اللحاف؛ انتظرت أن تقول شيء إلا أنها لم تعلق بأي شيء .
الآن تذكرت أنها ظلت صامتة منذ خرجنا من الدار و أنها لم تتناول شيء عدى حساء الشعير الذي احتسته بعد صلاة الفجر، و رفضت شرب الشاي، و حتى رقية لم تلح عليها و لم تجادلها كعادتها ذاك الصباح، عمي لم يكن موجودا حين استيقظت و ربما لم يعد تلك الليلة أصلاً.
بعد برهة جاءت امرأتان ملثمتين مثلها، إحداهن تمسك بيد طفلة صغيرة ترتدي فستان أزرق، بهت اللون من كثرة ما نشر في الشمس، و تتدلى ضفيرة خفيفة خلفها. أما الأخرى فكانت ترافق طفلا أخرجت له من أسفل للحافها الأسود قلم حبر أزرق و ورقة مثنية على أربع مدتها له؛ أمسكهما في عجل و ركض نحو باب المدرسة، و اختلط بالأطفال بالساحة على مرأى مني.
لمحت بعض أطفال جيران بيت أبي، يركضون في كل اتجاه بالساحة منهم من حدق إلي و أشار بسبابتهم ينعتني للآخرين قبل أن يعود للعبه.
تقدمت المرأتين نحونا سلمتا على جدتي و سلمت هي عليهن، لا أدري كيف تعرفت عليهن و لا كيف تعرفن عليها بسهولة من خلف اللحاف الأسود الذي يسبغن عليهن؟! أم أن العين الوحيدة التي تبرز من كامل الوجه كافية للكشف عن هوية الجسد الذي لف في فيه!!
سألنها عن أحوالها فحمدت الله، و سألتهما بالمثل و رددن على التوالي بالمثل، ثم سألنها ماذا تفعل أمام المدرسة، أجابتهما أنها جاءت بي، و لولا إصرار ابنها لما تركت أشغالها لقف هنا، فلا فائدة ترجى من ارتياد المدارس. تمتمتا موافقتان، و واصلت إحداهن قائلة:« لما لا تلحقيها بالمسجد فجل فتيات يدرسن لدى الفقيه سي "لحسين ءو عُمَر"؟." أجابتها بصوت ساخط:« لقد رفض أن تدرس لديه.»
استغربت المرأة قائلة:” رفضها ! لماذا؟" .
صمتت و لم تجبها بشيء و ظلت تحدق بما يشبه الحنق إلي، و بعد للحظات قالت:« لقد ألحقنها قبل أشهُر بالمسجد.. ضربها الفقيه فرمته بلوح أصابه و كسر عظم أنفه فطردها.. الله يهديها"
أجالت المرأتين في عينيهما يتفحصنني، لا أدري هل قلبتا شفاههن داخل الرداء أم اشمأزتا، أو دعتا في سرهن بالمسخ على طفلة تجرأت على ضرب فقيه يقبلن يده و يخصصن له الطعام و الهدايا كي لا يُحرمن من الأطفال و لا تقحل الأرض و لا تيبس ضرع الأبقار و لا تعقم أصلاب ذكورهن.
في تلك الأثناء سَمعنا وقع خطوات و صوت رجل يلقي السلام على مدير المدرسة الذي يحاول إغلاق باب المدرسة. التفت إحداهن إلى الرجل القادم فقالت:« أنه الممرض"
اعتدلت الأخرى و أمسكت بيد الطفلة التي يبدو أنها سهت عنها منذ وقفت تحدث جدتي؛ و قالت:« علينا أن نذهب قبل أن يأتي الناس للمستوصف، هل ستذهبين يا لالة زينة؟" طأطأت جدتي عينها قليلا ثم رفعتهما إلى المدير الذي أغلق إحدى دفتي الباب و بدأ يعالج الثانية، ونهضت معتمدتا على الحائط خلفها، دون أن تقول شيء أمسكت بيدي و بقيت وافقت للحظات على ذاك الحال، لم أستطع تخمين ما كانت تفكر فيه، أو ما كانت تنويه؛ هل ستسلمني للمدير أم تعيدني للبيت ليستمر شجارها مع عمي كما كان منذ أخبرها أنه سجلني بالمدرسة، و أن ذاك كان رجاء أمي قبل السفر، رفضت وردت عليه صارخة قائلة :« لو كان يريد العربي لابنته أن تلج المدرسة لكان أخذها معه لفرنسا، أفإن خاف عارها هناك، نكون سببا له هنا.." قالت كل ما استطاعت لتثني عمي عن قراره، إلا أنه لم يزد عن القول :« أنا المسؤول عن شامة و إن شاء الله لن تخذلني..»
يومها باتت تلعن حظ ابنيها فأحدهم رحل ولا تدري ما حل به في بلاد النصارى، و الآخر ابتلى بامرأة عاقر لا تصلح لشيء، و بت أنا أفكر كيف ستكون المدرسة؟