mardi 5 août 2008

التنور



في حِجر عمي بدت البيوت الثلاثة أمامنا صامتة تنفث دخان الفرن الحامل لرائحة الخبز الصباحي، و بقية من أحلام فاضت عن الليلة الماضية، و أمنيات أحرقتها ألسنة اللهب مع الخشب، و إستهامات مَنْ تجلس مقرفصة أمام التنور المحموم تتجنب مواجهة الدخان و النار المنبعثين من الفوهة كي لا تدمع عينيها فتخطئ يدها و تصطدم بحافته الملتهبة أو تلفح الألسنة إيهاب يديها، كثيرا ما سمعتهن يدعون دون أن يأبهن لحظوري ، ربما لأنهن إستصغرنني أو لأنهن يتنبأن بجلوسي قريبا أمام التنور مثلهن و أتلوا بنفس التأفف نفس دعواتهن ؛ بأن يأتي يوم أتخلص فيه من الجلوس إلى التنور ثلاث مرات في اليوم عبر تعاقب الفصول. لا محال أن دخان اليوم الباكر تصاعد هو الآخر بنفس الدعاء إلى السماء. إن صح أن الدخان ساعي الدعوات فيا كثرة ما سيحمل من بيوت جيراننا، سيحمل دعوة " لالة زينة" بأن يقهر الله ضرتها و يعيدها من حيث أتت قبل أن يتزوجها" بابا الحسين " و يطلق العنان لخيال أهل القرية ليجدوا سببا لزواجه بمن تناسب أن تكون زوجة لأكبر أبنائه الثلاثة، الكل كان متعجبا من تصرفه؛ فالتعدد نادر في القرية، فلا أذكر حالة أخرى غير حالة جارنا هذا ربما ذالك راجع للوضع الإقتصادي لسكان القرية ،أو أن التعدد شذوذ لدى الأمزيغ. سيحمل الدخان أيضا دعوات خديجة ـ إبنة لالة زينة ـ بزوج يريحها من تِعدادِ تسرب أيام عمرها بين بهثان جدران الحجرتين الشبيهتين بجحرين إقتطعهما أبوها من زريبته و جعل لهما باب خلف بيته كي لا تصطدم بهم عروسته، التي أخدت باقي البيت، بالفناء الواسع بإحدى زواياه تشمخ شجرة الرمان و حوض به مسك الليل، و نصف الزريبة المتبقية بما فيها من بهائم بعد أن سمح لهم الأب بأخذ نعجتين و بضع دجاجات و أبقى لنفسه على الخرفان و ثلاث دجاجات و الديك و البقرة و الحمار ، هذا هي القسمة التي تراضى عليها الأبوين ليفصلهما الجدران كما فصلهما دوما، مع أنهما لازال مقترنين على صفحة من ورق. في الليالي المقمرات تتساءل خديجة إذا ما كان الأب الآن يتعشى مع عروسه بالفناء أسفل شجرة الرمان و عبق مسك الليل كما كانوا يفعلون قبل إنفصاله عنهم؟
هي تعرف لما إنفصلا أبويها، فرغم أنهما أخفيا السبب عن فضول أهل القرية، و يجيبان دومان بأنه "المكتوب و المقدر" لكنهم لن يستطيعان إخفائه عن أبنائهم و تحديدا خديجة، التي كانت تشعر بالبرود الذي إعتراهما حتى صار أحد هما لا يوجه بصره ناحية الآخر . منذ سنة و نصف إنتقلت الأم لتنام بغرفة خديجة ، صحيح أن الأجواء العامة كانت هادئة لكنه مجرد تصنع أو هدوئ ما قبل العواصف . فقط حين يشتد كرهنا و حنقنا لأحد يصير النظر إليه أو لمسه بغيضا و مقززا ، هل صار يكرهان بعضهما لهذه درجة القرف من بعضهما!؟
ذات ليلة قبل الإنفصال بعدة أشهر كانت تنام بنفس الغرفة مع أمها ، تظاهرت بالنوم حين سمعت متسللا ميزت صوت أباها المنخفض يدعو أمها لغرفته، حين رفضت إجابته قال بنفس الصوت المنخفض :" إتفو عليك ، يا عدوة الله، تمنعيني حقي! فلتلعنك الملائكة و لتكن لليلة بلا غد..!" لم تحرك الأم ساكنا ، و قف قليل ثم غادر الغرفة تارك بابها مفتوح، بعد لحظات قامت الأم و أغلقت الغرفة و راحت تجهش في عتمة الغرفة بصوت مكتوم. فليحمل الدخان الدعوات إذا، لكن ماذا لو إستجاب الله و أهداها عريسا يتغاض عن مسحة القبح التي تحجب نزر الجمال الذي ورثته عن أمها، و عن حول عينيها، و عن الحروف التي تخرج منطوقتا من أنفها ، ماذا لو جاء بعد تآكل لهفتها من الإنتظار، ماذا لو تكرر معها ما سمعته تلك الليلة من أبيها، هل تقبل أن تلعنها الملائكة حتى الإصباح ؟ ألا تلعن الملائكة غير النساء؟
لا لن تسمح بذالك لأنها أكثر ذكاء من أمها، أو هكذا تصورت حينها، ستعطيه حقه ، طالم أن هذا الحق الذي خرب عائلتها لا يتجاوز في حجمه فتحة أصغر من فتحة التنور بكثير ، و لن يكلفها الأمر ما يكلفه تنور الخبز من عناء و تعب و عرق و إحتراق ! لكن هل غابت هذه الحيلة عن الأم التي كانت ستجنبها الخروج من بيتها مذلولة أمام أهل القرية، و قضاء ما تبقى من عمرها في جحرين لا يتسعان لدجاجاتها و نعجتيها فما بالك بخمسة أشخاص، و تقنع بما يفضلُ عن الأب يوم الخميس من مؤونة الأسبوع بعد أن تأخذ عروسه ما تشاء مما جلبه من السوق و يأتيهم بما عافته نفسها بعد أن شاع خبر وحمها بين الجيران!؟

3 commentaires:

Anonyme a dit…

""لا لن تسمح بذالك لأنها أكثر ذكاء من أمها، أو هكذا تصورت حينها، ستعطيه حقه ، طالم أن هذا الحق الذي خرب عائلتها لا يتجاوز في حجمه فتحة أصغر من فتحة التنور بكثير ، و لن يكلفها الأمر ما يكلفه تنور الخبز من عناء و تعب و عرق و إحتراق ""

kalimat 9awiyy jiddan wa mo3abbira

waSili al faD7...ma3a mobarakati al imbraTuriyya

o9simo laki annani ,fi intiDar alb9iyya bi chaghafin kabir

ma3a ta7iyyati

Anonyme a dit…

السلام عليكم
من أجمل ما قرأت في المدونات المغربية الناطقة بالعربية!
تحياتي!

قبل الطوفان a dit…

في النار، تكتوي الأحزان وتنصهر الذات التي كتمت صوتها طويلاً

نص جميل يحترق ويعذب كل من يقرأ الكلمات ويعي معناها